المحمدية تتطلع إلى إسقاط تسمية “مدينة الزهور” على الفضاءات العمومية

عُرفت “مدينة الزهور” في الماضي بحدائقها الواسعة ومساحاتها الخضراء الممتدة التي كانت تزين شوارعها وأحياءها، حيث شكّلت الأزهار بمختلف ألوانها ورونقها علامة فارقة في ملامح المدينة، وجعلت منها فضاء نابضا بالحياة ومتنفسا طبيعيا لأهلها وزوارها، فكان عبق الزهور وبهاء الطبيعة جزءا أصيلا من هوية المكان.

غير أنّ هذا البريق لم يعد حاضرا كما كان؛ إذ بقي لقب “مدينة الزهور” متداولا على الألسن فقط دون أن ينعكس على الواقع اليومي، بعدما تراجعت المساحات الخضراء واندثرت الكثير من ملامح الجمال التي ميّزت المدينة في السابق، ليظل الاسم شاهدا على زمن مضى أكثر مما هو تعبير عن صورة حاضرة تستشرف تطلعات المستقبل.

أمام هذا الواقع، تُثار تساؤلات حول جهود المصالح الجماعية في استعادة بريق “مدينة الزهور” وإحياء بعدها البيئي والجمالي من جهة، وحول إسهام جمعيات المجتمع المدني من جهة ثانية، لا سيما في ما يتصل بقدرتها على إطلاق مبادرات عملية وتقديم اقتراحات ملموسة، إضافة إلى انخراطها في المشاركات الميدانية المرتبطة بأشغال الترميم والإصلاح.

بين الماضي والحاضر

سحيم محمد السحايمي، رئيس جمعية زهور للبيئة والتنمية المستدامة بالمحمدية، قال إن “المدينة كانت دائما مرتبطة بلقب ‘مدينة الزهور’، وهو لقب لم يأت من فراغ، بل جسّد واقعا عمرانيا وبيئيا متميزا، حيث عرفت المحمدية مساحات خضراء شاسعة، وصيانة دائمة، وتنوعا نباتيا يعكس طابعها الفريد”.

وأوضح السحايمي أن “هذا الواقع تغيّر بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة؛ إذ تراجعت المساحات الخضراء بفعل الإهمال وغياب الصيانة، فيما طالت الحدائق موجات جفاف متكررة، وأصبحت مساحات واسعة يغلب عليها اللون البني، إضافة إلى قطع عشوائي للأشجار العمومية المرتبطة بمشاريع عمرانية جديدة، دون مراقبة قانونية أو حرص على التوازن البيئي”.

وأشار المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن “استعادة لقب ‘مدينة الزهور’ لن يتحقق إلا عبر عمل تشاركي بين المواطنين وجمعيات المجتمع المدني والسلطات المحلية، مع ضرورة وضع مشاريع واضحة لحماية البيئة”، مشددا على أن “ما يقع اليوم من خروقات بيئية يسيء إلى صورة المدينة ويُفقدها هويتها التاريخية المرتبطة بالطابع الأخضر”.

وسجّل الفاعل الجمعوي أن “جماعة المحمدية، سواء في المجالس السابقة أو الحالية، لم تعتمد أي مشروع تنموي مستدام يضمن استمرار اخضرار الحدائق، في وقت نجحت فيه مدن مغربية أخرى في معالجة المياه العادمة واستعمالها في السقي، بينما بقيت المحمدية تعاني من غياب حلول بديلة رغم الإمكانيات المتاحة”.

وأضاف سحيم محمد السحايمي أن “قرار وزارة الداخلية منع سقي المساحات الخضراء بالمياه الصالحة للشرب بسبب الجفاف عمّق من حدة الأزمة، خاصة مع غياب بدائل عملية لدى الجماعة، مما أدى إلى سنوات من الإهمال وسوء التدبير وانعدام الاستدامة، وهو ما انعكس بشكل سلبي على المشهد البيئي للمدينة”.

وختم السحايمي تصريحه بالتأكيد على أن “المرحلة المقبلة تستدعي إعادة برمجة العقلية التدبيرية للمسؤولين على أسس مستدامة، خصوصا مع اقتراب تظاهرات كبرى مثل كأس إفريقيا وكأس العالم”، معتبرا أن “الرهان اليوم هو إعادة بعض من رونق المحمدية والحفاظ على ما تبقى من مساحاتها الخضراء حتى تظل جديرة بلقب ‘مدينة الزهور’”.

ثلاثة فاعلين أساسيين

من جانبه، قال حسن حُمير، رئيس نادي الطلبة الخضر بالمحمدية: “لكي تستعيد المدينة مكانتها أو تعود إلى حالتها الطبيعية، نحتاج إلى ثلاثة فاعلين أساسيين، أولهم المواطن الواعي بحقوقه وواجباته ويؤديها بأمانة، ثانيهم المنتخب المسؤول عن المشروع التنموي، الذي ينبع من نقاش وحوار مجتمعي”.

وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “ثالث الفاعلين الأساسيين هم رجال السلطة، الذين يسهّلون هذا العمل بالكامل ويساهمون في التنسيق بين جميع المتدخلين في التنمية، من أجل استرجاع رونق’مدينة الزهور’ الذي نطمح إليه”.

وبخصوص دور المجتمع المدني بمدينة المحمدية، قال حسن حُمير: “يمكن اعتبار المجتمع المدني جزءا من المواطنين والمواطنات القادرين على المساهمة بمقترحات فعالة تعزز وتقوي السياسة العمومية والسياسة الترابية التي يضعها المنتخبون، بهدف المساهمة في تجويد السياسة العمومية وتنزيلها على أرض الواقع”.

جهود المصالح الجماعية

إيمان غازي، نائبة رئيس المجلس الجماعي للمحمدية المفوض لها تدبير قطاع السير والجولان والمساحات الخضراء، قالت إن “إلغاء الشراكة مع شركة سمير جعل تدبير حديقة ‘البّارك’ بيد المصالح الجماعية”، مبرزة أنه “تم تخصيص غلاف مالي قدره 150 مليون سنتيم من أجل إعادة الغرس والتهيئة بما يضمن استعادة الحديقة وجهها الطبيعي”.

وأضافت المتحدثة ذاتها أن “الميزانية المخصصة لباقي حدائق المحمدية كانت في السابق محددة في 500 مليون سنتيم، وبعد خضوعها للضرائب تبقى في حدود 470 مليون سنتيم موزعة على ثلاث سنوات”، مؤكدة أن “المجلس الجماعي يعتزم في الميزانية المقبلة إضافة 250 مليون سنتيم أخرى، بهدف تغطية مجموع الحدائق والمساحات الخضراء عبر مختلف الأحياء والشوارع”.

وفي ما يخص تهيئة الشوارع الكبرى، أوضحت إيمان غازي، في تصريح لهسبريس، أن “شارعي الحسن الثاني والمقاومة يعرفان حاليا أشغال تهيئة شاملة تنفذها شركة خاصة، وبما في ذلك الأغراس على الأرصفة”، مضيفة أن “الشركة نفسها ستواصل السهر على صيانة هذه المساحات طيلة سنة كاملة، قبل أن تتسلمها المصالح الجماعية بشكل رسمي”.

تنظيم “مهرجان الزهور”

وحول استعادة المحمدية صورتها التقليدية ولقب “مدينة الزهور”، أشارت نائبة رئيس المجلس الجماعي للمحمدية إلى أن “شهر نونبر المقبل سيشهد تنظيم مهرجان بالمحمدية، وكان من المتداول أن يتم ذلك ببصمة ‘الزهور’، غير أن الظرف بدا غير مناسب”، لتؤكد أن “المدينة ستشرع ابتداء من السنة القادمة في إحياء ‘مهرجان الزهور’ بشكل رسمي، في أفق تكريس هويتها البيئية والجمالية”.

وشددت غازي على أهمية انخراط المجتمع المدني في هذه الأوراش، موردة أن “بعض الجمعيات تعمل فعليا على أرض الواقع، وتساهم مع المصالح الجماعية في إصلاح الحدائق وتجهيزها والعناية بها وغرسها”، غير أنها لفتت الانتباه إلى أن “عدد هذه الجمعيات الميدانية يظل محدودا، ويمكن عده على رؤوس الأصابع”.

وختمت إيمان غازي تصريحها بالتأكيد على أن “التعاون مع المجلس الجماعي يتم وفق برامج جمعوية محددة، سواء بمناسبة حصول بعض الجمعيات على دعم من جهات مختلفة، أو في إطار مبادرات جمعيات الأحياء التي تهتم بصيانة الحدائق المتواجدة داخل التجمعات السكنية”، معتبرة أن “هذا النوع من التعاون يعزز البعد التشاركي في تدبير الشأن المحلي المرتبط بالبيئة والمساحات الخضراء”.

The post المحمدية تتطلع إلى إسقاط تسمية “مدينة الزهور” على الفضاءات العمومية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.

 

Leave a Reply

Deine E-Mail-Adresse wird nicht veröffentlicht. Erforderliche Felder sind mit * markiert