حرائق غابات الشمال تطرح تحديات التغيرات المناخية ومسؤولية الساكنة

شهدت غابات شمال المملكة صيفا استثنائيا بفعل نيران الحرائق التي باتت تتكرر بوتيرة أعلى وبحدة أكبر، حتى غدت ظاهرة ملازمة لكل موسم حر، تلتهم مساحات واسعة من الغطاء الغابوي، مجددة أسئلة بشأن نجاعة الاستراتيجيات المعتمدة وسبل تعويض الغطاء النباتي والغابوي الضائع.

ورغم أن حرائق هذا الصيف كانت نسبيا أقل شدة مقارنة بسنوات خلت، إلا أن الحرائق التي عرفتها غابات الشمال على وجه الخصوص أتت على مساحات شاسعة من المجال الغابوي والمجالات الحيوية التي تؤدي دورا أساسيا في حفظ التوازن الإيكولوجي وصون التنوع البيولوجي بالمغرب، الذي يواجه تحديات جمة بفعل التغيرات المناخية أولا والسلوك البشري المتسم بالاستهتار والطيش في أحايين كثيرة.

البشر مصدر الخطر

محمد بنعطا، منسق التجمع البيئي لشمال المغرب، قال إن موجة الحرائق التي شهدتها الغابات كانت نتيجة الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، وكذا غياب وعي عدد من المواطنين واستهتارهم، موردا غير أن أغلب الحرائق المسجلة سببها بشري، سواء نتيجة سلوك غير مسؤول أو جراء أخطاء غير متعمدة، وهو ما يخلف خسائر جسيمة.

وأوضح بنعطا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الغابات تلعب دورا مهما في تخزين الكربون وإنتاج الأوكسجين، محذرا من بعض السلوكيات اليومية مثل إعداد الوجبات أو الطهي وسط الغابة من دون التأكد من إطفاء النار بالكامل، مما قد يؤدي إلى اندلاع حرائق كارثية.

وذكّر الفاعل البيئي ذاته بأن القانون يجرم إيقاد النار داخل المجال الغابوي، ودعا إلى التحلي بالمسؤولية والوعي بخطورة ما يهدد الغطاء الغابوي الذي يحتاج إلى عقود من الزمن ليستعيد عافيته في حين لا يحتاج الحريق إلا ساعات قليلة ليلتهم هكتارات شاسعة.

الساكنة المحلية شريك

من جانبه، قال حمزة ودغيري، رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الأخضر من أجل البيئة والعدالة المناخية، إن المغرب شهد حرائق غابوية عنيفة خلفت أضرارا بيئية وزراعية جسيمة، وأعادت إلى الواجهة النقاش بشأن هشاشة المنظومة الغابوية أمام التغيرات المناخية وضرورة تبني مقاربة وقائية أكثر نجاعة.

وأضاف ودغيري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن النيران أتت على نحو 500 هكتار من الغابات والحقول الزراعية بإقليم شفشاون، وأتلفت مساحات شاسعة من أشجار الزيتون والمحاصيل الموسمية، كما تضررت الثروة الحيوانية نتيجة نفوق عشرات الرؤوس من الأغنام، التي تشكل مصدر رزق أساسيا للأسر القروية.

وأفاد الفاعل البيئي ذاته بأن قوة الرياح وارتفاع درجات الحرارة ساهما في انتشار الحريق بشكل أفضى إلى تفاقم الأضرار والخسائر التي وصفها بـ”الجسيمة”، مسجلا بإيجاب الجهود الكبيرة التي بذلتها السلطات العمومية، من وقاية مدنية وقوات مسلحة ملكية ومصالح غابوية وتقنية، من خلال تعبئة حوالي 450 عنصرا مدعومين بأربع طائرات “كانادير” وأربع طائرات “توربو ثراش” تابعة للدرك الملكي، ما ساعد على حماية الأرواح والسيطرة على بؤر النيران.

كما ثمن رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الأخضر من أجل البيئة والعدالة المناخية تطوع الساكنة المحلية والمجتمع المدني لدعم جهود الإطفاء حماية للممتلكات، في تعبير واضح عن روح التضامن والمسؤولية المشتركة.

وأكد ودغيري أن هذه الحرائق لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع للتغير المناخي، الذي يترجم في المغرب بارتفاع درجات الحرارة، وتواتر موجات الحر، وتراجع التساقطات المطرية وعدم انتظامها، مشددا على أن هذه العوامل تؤدي إلى الجفاف المتكرر وتزايد حرائق الغابات، وتفاقم الضغط على الموارد المائية والفلاحة، وما يرافق ذلك من تهديد للأمن الغذائي وتدهور التربة وتراجع الغطاء النباتي.

وأورد المتحدث أن ما وقع في غابات إقليم شفشاون ليس حادثا عرضيا، بالقدر الذي يعد تمظهرا واضحا لتداعيات التغير المناخي بالمغرب، مبرزا أن حماية الغابات قضية مرتبطة بالأمن الغذائي والمائي والاجتماعي.

ويرى ودغيري أن المرحلة تستدعي إطلاق برنامج استعجالي لإعادة تأهيل الغابات المتضررة وتشجيرها بأنواع محلية مقاومة للجفاف، وتثبيت التربة ضد الانجراف، وتعويض الفلاحين ومربي الماشية لضمان استقرارهم، داعيا إلى تعزيز أنظمة المراقبة والإنذار المبكر عبر الطائرات المسيّرة وصور الأقمار الصناعية، وإدماج البعد المناخي في السياسات العمومية ضمن خطط جهوية ووطنية، مع إشراك الساكنة المحلية في برامج الوقاية والتوعية باعتبارها شريكا رئيسيا في حماية الغابة.

The post حرائق غابات الشمال تطرح تحديات التغيرات المناخية ومسؤولية الساكنة appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.

 

Leave a Reply

Deine E-Mail-Adresse wird nicht veröffentlicht. Erforderliche Felder sind mit * markiert