سدود جافة ومدن عطشى .. أزمة ندرة المياه تعصف بمناطق عدة في العالم

تعيش مناطق متفرقة من العالم هذا الصيف على وقع أزمة متفاقمة في الموارد المائية، وسط تحذيرات متزايدة من تفاقم ندرة المياه، وارتباط ذلك بظواهر مناخية شديدة، مثل موجات الحر، وتراجع معدلات الأمطار، والحرائق التي تلتهم الغابات والأحراش في أكثر من قارة. وبينما تراجع خطر الجفاف مؤقتًا في ألمانيا عقب هطول أمطار غزيرة، فإن دولاً أخرى في محيط البحر المتوسط والشرق الأوسط تواجه واقعًا أكثر قسوة، مع ظهور مؤشرات تنذر بموسم شتوي قد يكون أكثر جفافًا وصعوبة.

في قبرص، تراجع منسوب المياه المخزنة في السدود إلى مستويات وصفت بـ”الخطيرة”، إذ لا تتجاوز نسبة الامتلاء حاليًا 16 في المئة، بعدما كانت تتجاوز 34 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي. ويعزو المسؤولون هذا التدهور إلى تراجع حاد في كميات الأمطار للعام الثالث على التوالي. وفي ظل هذا الوضع، باتت الحكومة القبرصية تعتمد بشكل متزايد على تحلية مياه البحر، إذ تعمل 12 محطة حالياً، وتسعى البلاد إلى إنشاء محطات إضافية. غير أن هذا الخيار لا يلبي كامل الاحتياجات، مما دفع السلطات إلى دعوة المواطنين لتقليل استهلاكهم، مع إعطاء الأولوية لقطاع السياحة الذي يشكل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني.

الوضع لا يبدو أفضل حالًا في تركيا، حيث تعاني مدن كبرى مثل إزمير وبودروم من انقطاعات متكررة للمياه، خصوصًا في ذروة الموسم السياحي. وتشير التقارير إلى أن السلطات اضطرت إلى تقنين الإمدادات اليومية بشكل دوري، نظرًا لانخفاض مستويات المياه في السدود. وقد أدى الارتفاع الشديد في درجات الحرارة إلى تسريع معدلات التبخر، ما زاد من تعقيد الأزمة. وأكدت هيئة الأرصاد الجوية أن شهر يوليو الماضي كان الأشد حرارة منذ أكثر من خمسة عقود. كما تراجع معدل الهطول السنوي في منطقة بحر إيجة بنسبة 22 في المئة، مقارنة بالمتوسط المعتاد، في حين تعزو مؤسسات بحثية هذا التدهور إلى تسارع وتيرة التغير المناخي وتزايد الظواهر الجوية القصوى.

وفي اليونان، تواجه العاصمة أثينا ومحيطها تحديات مماثلة، حيث أظهرت البيانات الرسمية انخفاضًا بنسبة 50 في المئة في مستويات امتلاء السدود مقارنة بالعام الماضي. ويجمع الخبراء على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في إدارة المياه، من حيث البنية التحتية والسياسات التحفيزية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي. وتطرح تحلية مياه البحر كأحد الخيارات المستقبلية، إلا أن الجدل لا يزال محتدمًا حول كلفتها العالية وتأثيراتها البيئية والطاقة المستهلكة في تشغيلها.

أما إيران، فتبدو في عين العاصفة. فالدولة التي توصف بأنها من أكثر دول العالم جفافًا، تعاني منذ سنوات من تراجع مستمر في كميات الأمطار، إلى جانب ارتفاع مطرد في درجات الحرارة، ما أدى إلى نضوب تدريجي في العديد من السدود. وقد باتت العاصمة طهران، التي يقطنها أكثر من 15 مليون نسمة، تعاني هذا الصيف من انقطاعات يومية في إمدادات المياه، وسط تحذيرات رسمية من احتمال نفاد المخزون في غضون أسابيع، ما لم يتحسن الوضع. وأعلنت الحكومة أنها اتخذت إجراءات استثنائية تشمل تقنين المياه على مدار ساعات اليوم في مناطق واسعة من البلاد.

في المقابل، فإن إسبانيا لا تعاني حاليًا من أزمة وطنية حادة، بفضل الأمطار الغزيرة التي هطلت في بداية العام، والتي ساعدت في رفع مستويات الامتلاء في السدود إلى نحو 64 في المئة. ومع ذلك، فإن بعض المناطق، وعلى رأسها جزر البليار، بدأت تظهر مؤشرات مقلقة، خصوصًا في مايوركا والمنطقة الداخلية المعروفة باسم “بيلا”، حيث أعلنت السلطات حالة إنذار بسبب الجفاف. وتشير البيانات إلى أن معدلات التخزين في بعض المناطق انخفضت إلى 43 في المئة فقط، وهو رقم أدنى بثلاث نقاط مئوية مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

الوضع في إنجلترا ليس أفضل، إذ تشير هيئة البيئة البريطانية إلى أن البلاد تمر حاليًا بأشد نصف عام جفافًا منذ عام 1976، مع وصول مستويات المياه في عدد من الأنهار والسدود إلى أدنى من المعدل الطبيعي لهذا الوقت من السنة. وتشير التقديرات إلى أن خمس مناطق تعاني رسميًا من الجفاف، بينما تصنف ست مناطق أخرى بأنها تعاني طقسًا جافًا مستمرًا. وقد أدى ذلك إلى فرض قيود على استخدام المياه في عدد من المناطق، مثل منع ري الحدائق بالمياه في يوركشاير.

وفي إيطاليا، تسببت موجات الحر المتكررة وغياب الأمطار في تفاقم أزمة المياه، خاصة في الجنوب. وتشير تقارير المعهد الوطني لحماية البيئة والبحوث إلى أن النقص الحاد في الموارد المائية أثّر سلبًا على الزراعة والثروة الحيوانية، وأدى إلى حالة حرجة في جزيرتي صقلية وسردينيا، حيث لم تتجاوز نسبة الامتلاء في بعض السدود 12 في المئة. ويُخشى أن تؤدي هذه الظروف إلى انخفاض كبير في إنتاج المحاصيل الأساسية.

الوضع ليس بعيدًا عن هذه الصورة في جنوب فرنسا، حيث لجأت السلطات المحلية إلى فرض قيود صارمة على استخدام المياه، نظراً لاستمرار الجفاف وارتفاع درجات الحرارة. وتشمل هذه القيود حظر ملء المسابح الخاصة وغسل السيارات وري الحدائق، مع إعطاء الأولوية القصوى لتوفير مياه الشرب للسكان.

أما في منطقة جنوب شرق أوروبا، فتبدو الآثار المترتبة على الجفاف أكثر حدة على المدى البيئي والاقتصادي. فقد أعلنت كرواتيا عدة مناطق في الشمال مناطق كوارث زراعية. كما انخفض منسوب نهر الدانوب في مجراه السفلي، ما تسبب في توقف حركة الملاحة في بعض المناطق، وظهور حطام سفن كانت غارقة منذ زمن. وفي بلدان مثل صربيا، والبوسنة، وسلوفينيا، ورومانيا، طُبّقت إجراءات تقنين مماثلة، وسط تحذيرات من موسم حصاد ضعيف قد يضاعف من التحديات الاقتصادية.

تظهر هذه المشاهد المتكررة أن العالم يواجه أزمة مياه متصاعدة، لا تعود فقط إلى شح الأمطار أو الاستهلاك المفرط، بل إلى تحولات مناخية متسارعة باتت تغير ملامح الفصول وحدود الأمن البيئي. أزمة لم تعد مقتصرة على دولة بعينها، ولا تقتصر تداعياتها على البعد البيئي، بل تمتد إلى الأمن الغذائي، والاستقرار الاجتماعي، بل وربما السياسي، في حال لم تُواجه بإستراتيجيات شاملة ومستدامة.

The post سدود جافة ومدن عطشى .. أزمة ندرة المياه تعصف بمناطق عدة في العالم appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.

 

Leave a Reply

Deine E-Mail-Adresse wird nicht veröffentlicht. Erforderliche Felder sind mit * markiert