بمناسبة اليوم الدولي للشعوب الأصلية، الذي يتزامن مع تاريخ انعقاد أول اجتماع للفريق الأممي العامل المعني بالسكان الأصليين التابع للجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في 9 غشت من سنة 1982 بجنيف، جددت فعاليات أمازيغية بالمغرب دعوتها إلى إعادة الاعتبار للهوية وتاريخ “إيمازيغن”، والتصدي لسياسات التعريب التي تهمش تراثهم وتزور تاريخهم، إلى جانب تكثيف مختلف الجهود البحثية لتصحيح الروايات والمغالطات التاريخية المتوارثة، بما ينصف مساهمة الأمازيغ في بناء الحضارة المغربية.
وحسب الأمم المتحدة يتوزع أكثر من 476 مليون شخص من الشعوب الأصلية في حوالي 90 بلداً، يمثلون قرابة 6 في المائة من سكان العالم، مشيرة إلى أن “أفراد هذه الشعوب يعدون من بين أكثر فئات السكان تهميشًا وضعفًا، وقد ورثوا ويمارسون ثقافات فريدة وطرائق مميزة في التفاعل مع البشر والبيئة، كما يحتفظون بخصائص اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية مغايرة للسائدة في المجتمعات التي يعيشون فيها”.
ورغم هذا التنوع الثقافي تؤكد الهيئة الأممية ذاتها أن “الشعوب الأصلية في شتى أرجاء العالم تتشارك في تحديات مشتركة في سبيل صون حقوقها بصفتها شعوبًا متمايزة، فقد طالبت، على مدى سنوات، بالاعتراف بهويتها وأنماط عيشها وحقها في أراضيها ومواردها التقليدية؛ لكن حقوقها كانت، على مرّ التاريخ، تُنتهك بصورة ممنهجة، ومازالت إلى اليوم من أكثر الفئات السكانية هشاشة وتضررًا”.
تاريخ وأساطير
حسن إد بلقاسم، محامٍ وفاعل أمازيغي، قال إن “تاريخ وهوية الأمازيغ بالمغرب كانا ضحية السياسات التعريبية التي انتهجتها الحركة الوطنية بالمملكة منذ نشأتها، وتم اعتمادها بعد الاستقلال بشكل قوي، إذ تم تعزيز سياسة التعريب والهيمنة وتهميش الأمازيغية وطمس التاريخ وتزويره، من خلال اعتبار أن الأمازيغ جاؤوا من اليمن عبر الحبشة وغيرها من الروايات التي تربت أجيال عديدة عليها”.
وأضاف إد بلقاسم، في حديث مع هسبريس، أن “هذه الروايات استمرت في التداول، سواء في كتب التاريخ أو المناهج التعليمية، إلا أن تشكل وعي ثوري أمازيغي قاده مناضلون ومؤرخون وباحثون فتحوا نقاشًا جديًا حول هذا الموضوع أدى إلى ميلاد الحركة الأمازيغية التي طرحت ميثاق أكادير سنة 1991، لإنذار المؤسسات بأن ما يجري وما تعانيه الأمازيغية أصبح غير مقبول أبدًا ويجب إعادة النظر في السياسات اللغوية والثقافية بالمملكة”.
وتابع الفاعل الأمازيغي ذاته بأن “الحركة الأمازيغية قدّمت هذا الميثاق لكل المؤسسات، بما فيها المؤسسة الملكية والبرلمان والأحزاب، غير أنه بعد تجاهل المطالب المتضمنة فيه تقرر تدويل القضية، وحضر ممثلون عن الحركة فعاليات المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا سنة 1993، الذي شهد التحامًا بين أمازيغ المغرب والمنطقة وباقي الشعوب الأصلية التي تناضل هي الأخرى من أجل التغيير، ليتم بعدها حضور عدد من المؤتمرات والمنتديات التي تُعنى بحقوق هذه الشعوب”.
وسجل المتحدث أن “تدويل القضية أسهم في ممارسة ضغوط على مؤسسات الدولة المغربية، التي استجابت أخيرًا لمطالب الحركة الأمازيغية من خلال خطاب أجدير، الذي تأسس على إثره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتم الاعتراف باللغة الأمازيغية، وهو ما كان مقدمة لتحقيق مجموعة من التراكمات، على غرار الترسيم والدسترة، وصولًا إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، رغم وجود تأخر كبير على مستوى تنزيل مضامين الدستور، بسبب مواصلة الحكومات المغربية تبني السياسات التعريبية نفسها التي ناضل ضدها الأمازيغ”.
وشدد إد بلقاسم على أن “العديد من الدراسات والأبحاث التاريخية والإنسانية والأركيولوجية التي أنجزها عدد من الباحثين والجمعيات الثقافية الأمازيغية كشفت عن أسرار جديدة في تاريخ المغرب، كاكتشاف أقدم جمجمة للإنسان العاقل في التاريخ في جبال الأطلس، وأقدم قلادة نسائية في العالم بـ’إفري ن بيزماون’ في منطقة حاحا قرب الصويرة، وغيرها من الاكتشافات التي حطمت أسطورة مغرب الـ12 قرنًا”.
وخلص المصرح إلى أنه “من الضروري أن تبدأ الجمعيات والباحثون الذين يشتغلون في حقل البحث التاريخي الأمازيغي إعادة طرح هذا المشكل من جديد، لإعادة كتابة تاريخ المغرب وتصحيح مجموعة من المغالطات، وتصويب الرواية التاريخية، ووضع حد لبقايا تزوير التاريخ في البلاد”، وفق تعبيره.
التزام ملكي
قال أحمد أرحموش، محامٍ وفاعل أمازيغي: “بمناسبة احتفال العالم باليوم العالمي للشعوب الأصلية، وبمضامين الإعلان العالمي لحقوق هذه الشعوب، الذي لم تعترض أو تتحفظ الدولة المغربية عليه، لا بد من التذكير أيضًا بالرسالة الملكية إلى المشاركين في أشغال الدورة الـ17 من اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونسكو، التي افتتحت أشغالها يوم الإثنين 28 نونبر 2022 بالرباط”.
وذكر المتحدث ذاته أن “ملك البلاد أكد في هذه الرسالة أن التراث الثقافي شهد تطورًا كبيرًا، فهو لم يعد مجرد مآثر تاريخية أو قطع أثرية، بل يشمل العادات والتقاليد والتعبيرات الحية الموروثة عن أسلافنا والمنقولة إلى الأجيال القادمة، كالتقاليد الشفهية والعروض الفنية وحتى الممارسات المجتمعية؛ وهنا تكمن قيمة المحافظة عليه وتثمينه وصونه ليبقى مرجعًا للأجيال القادمة”.
وتابع المصرح لهسبريس بأن “هذه المناسبة هي فرصة لتذكير صاحب القرار السياسي والتشريعي بالمغرب بخططه ورؤيته النكوصية تجاه السرديات التاريخية للشعب الأمازيغي، ومقومات هويته الأصيلة والأصلية، التي مازالت تعيش تغييبا مبرمجًا على ما يبدو، واستهتارًا بها على جميع المستويات، التعليمية منها والتشريعية والاجتماعية والاقتصادية”.
وشدد أرحموش على أن “استمرار السلطة التشريعية والسلطة القضائية، كما السلطة التنفيذية، في تغييب ما راكمه الشعب الأمازيغي عبر أزيد من 33 قرنًا، رغم ما له من قيمة مضافة في الظرف الراهن، ومواصلة الحكومة سياستها التحكمية والترددية في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، كلها أمور تفيد تهميشها مضامين الرسالة الملكية أعلاه”، مشيرًا إلى أن “إحياء هذه الذكرى الأممية يأتي في سياق مقلق ومستفز يعيشه وضع الأمازيغية بالمغرب”.
The post فعاليات أمازيغية تخلد “يوم الشعوب الأصلية” بالدعوة إلى إنصاف الهوية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.





