
تستمر أقصى درجات اليقظة مفعَّلة لدى مختلف السلطات الأمنية المغربية المختصة في مكافحة التهريب الدولي للمخدرات والمؤثرات العقلية، لرصد ومحاربة كل أشكال الجريمة العابرة للحدود الوطنية وتغيّر مساراتها، ما تجلى في عمليتين لإحباط تهريب دولي للكوكايين؛ إحداهما جرت بميناء طنجة المتوسط والثانية بمعبر الكركارات الحدودي، في عملية مشتركة بالتعاون مع الجمارك.
ويؤشّر تزامن العمليتين، اللتين جرتا أول أمس السبت، على استمرار التنسيق الوثيق بين عناصر الشرطة بمنطقة أمن ميناء طنجة المتوسط ومصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ما أحبط عملية للتهريب الدولي لشحنة كوكايين خام وزنها 33 كيلوغراما، جرى حجزها على متن حاوية للنقل الدولي للبضائع.
أما بالنسبة لعملية الكركرات، التي تقع في أقصى جنوب المملكة، فمكنت مساء اليوم نفسه من إجهاض محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز 53 كيلوغراما و630 غراما من مخدر الكوكايين.
وقرأ محللان، تحدثت إليهما هسبريس، أن ذلك “دلالة لتحوّل المعبر إلى موقع إستراتيجي كحلقة عبور محتملة لشبكات تهريب المخدرات الصلبة في طريقها إلى الأسواق الأوروبية، ما أدى لتشديد المراقبة من لدن السلطات المغربية بهذا المعبر المؤدي إلى دول الساحل الإفريقي”.
كما يعكس الأمر، وفق المحللين نفسهما، وعي المغرب بتنامي أنشطة شبكات تهريب الكوكايين في غرب إفريقيا، بعد تحذيرات سابقة وردت في تقرير صدر شتنبر الماضي عن “المبادرة العالمية لمكافحة الجرائم المنظمة عبر الحدود”.
اليقظة الاستباقية
يرى محمد عصام لعروسي، المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية وباحث في الشؤون الأمنية، أن “إحباط عمليات تهريب المخدرات، وخصوصًا الكوكايين، يرتبط بمفهوميْ اليقظة الأمنية والاستباقية (Proactive security actions)، ويُعد جزءًا من مراقبة الحدود ومنع دخول المواد الممنوعة دوليًا ووطنيا، وتقليل نشاط الجريمة المنظمة العابرة للقارات”.
الإستراتيجية الأمنية قائمة، بحسب ما أفاد به لعروسي في تصريح لجريدة هسبريس، على “محاربة تهريب المخدرات الصلبة، مع العلم أن طرق دخولها الرئيسية هي مناطق جنوب الصحراء والساحل المضطربة، ما يعكس أهمية منع توسع هذه الشبكات داخل المغرب واحتواء محاولاتها للتسلل بأساليب وحِيَل متقدمة، خاصة في ظل الإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها تجار المخدرات على المستوى الدولي”.
ولفت الباحث في الشؤون الأمنية إلى أن “شبكات التهريب عادةً ما تنشط في فترات الأزمات والكوارث، بما فيها الاحتجاجات الاجتماعية، مستغلة الظروف الطارئة لتحقيق أهدافها، كما يظهر من تجارب سابقة في مصر وتونس، حيث زادت أنشطة التهريب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر”.
وزاد المتحدث ذاته: “مع ذلك فإن السلطات الأمنية المغربية تمارس مهامها اليومية والاستباقية بانتظام، فيما لا يتأثر أمن الحدود بشكل سلبي بما يجري حاليا من احتجاجات شبابية ضمن نطاق ضيق وسلمي، إذ يتم الحفاظ على أمن الحدود أولوية وهاجساً أساسيا في منظومة اشتغال السلطات الأمنية”.
“جيوبوليتيك التهريب”
يرى لعروسي أن “التنسيق الأمني والاستخباراتي بين المغرب والدول المجاورة (خاصة مع إسبانيا وموريتانيا) أداة أساسية لمكافحة شبكات تهريب المخدرات”، وقال شارحا: “المراقبة الحديثة باستخدام الرادارات والكاميرات الدقيقة وطائرات الدرون تمكن من تتبع تحركات هذه الشبكات ومنع توغلها داخل المناطق الحساسة، ولاسيما بعد تعزيز مراقبة منطقة الكركرات منذ 2018، حتى أصبحت من أكثر المناطق أمانا على حدود المغرب مع الساحل”، مردفا: “كما تتعاون دول أخرى مع المغرب لتأمين السواحل. ويُعد التنسيق الإقليمي والدولي حيويا للكشف عن هذه الشبكات والحد من نشاطها”.
ولا تنفصل ديناميات الجريمة العابرة للحدود عن تطورات “الجيوبوليتيك” الإقليمية، “إذ تستغل شبكات التهريب الهشاشة الأمنية في دول الساحل وجنوب الصحراء، مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا بيساو، لخلق ممرات إجرامية”، وفق المصرح ذاته، الذي خلص إلى أن “المغرب يسعى من خلال الجهود الاستخباراتية والتنسيق الأمني متعدد الأطراف إلى رصد هذه التحركات وتفكيك الإستراتيجيات الجديدة لتلك الشبكات، بما يضمن تعزيز المراقبة في هذه المناطق ومكافحة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، بما فيها ميليشيات البوليساريو”.
الرصد والتنسيق
محمد نشطاوي، الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية رئيس “مركز ابن رشد للدراسات الجيوسياسية وتحليل السياسات”، أشار بداية إلى أن “طرق دخول الكوكايين عبر المعابر الشمالية أو الجنوبية للمغرب، ولاسيما طنجة والكركرات، تعد خطا تقليديا لشبكات التهريب نتيجة تشديد المراقبة الأوروبية على المسارات القادمة من أمريكا الجنوبية”.
وقال نشطاوي في تصريح لهسبريس: “مع أن أي حالة اضطراب داخلي قد تَنظر إليها هذه الشبكات كفرصة لاستغلال «فراغ أمني» مزعوم فإن الواقع يظل مختلفاً: الأجهزة الأمنية المغربية تمتلك أدوات رصد متطورة (رادارات، كاميرات عالية الدقة وطائرات دون طيار)”؛ كما نوه إلى “تفعيل المملكة آليات استخباراتية مع تنسيق دولي ناجع يهدف إلى تتبع هذه الممرات وإحباط محاولات التهريب قبل وصولها إلى التراب الوطني أو العبور نحو أوروبا”.
وقدّر المحلل ذاته أن “افتراض أن الاحتجاجات المحلية التي تميزت بها الشوارع المغربية قد تفتح معابر جديدة للسموم البيضاء أو الممنوعات مبالغة لا تستند إلى معطيات عملية؛ فالمغرب، بحكم موقعه الإستراتيجي وضمن جهود التعاون الإقليمي، يواصل تكثيف مراقبة السواحل وتعزيز التنسيق الاستخباراتي مع شركاء إقليميين ودوليين”.
وختم المتحدث للجريدة: “تبقى الأولوية مواجهة محاولات شبكات التهريب عبر كشف الممرات الناشئة وتفكيكها بالاعتماد على عمل أمني استباقي، و’جيوبوليتيك’ متماسكة تُقيّم المخاطر وتمنع استغلال أي هشاشة”.
The post من طنجة إلى الكركرات .. اليقظة الأمنية تعترض طريق مهربي المخدرات appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.