في ليلٍ رقميٍّ صامت، لا يُسمع فيه سوى صرير لوحات المفاتيح، خرجت علينا مؤخرا من عتمة الشبكة جماعة قرصنة تحمل اسماً برّاقاً أكثر مما هو مؤذٍ “شيني هانترز” ShinyHunters .. يظهرون كأشباحٍ تتسلل بين الأسطر البرمجية، لا بحثاً عن المعرفة ولا سعياً وراء الابتكار، فقط لمطاردة بياناتٍ شخصية كأسماء الأفراد وأرقام هواتفهم وكل معلومات عن حساباتهم الشخصية .. هم لم يحملوا سيوفا ولم يمتطوا جيادا، إنما استعملوا أدوات هدم سيبرانية، ممتطين موجات الألياف الضوئية في عالمٍ لا حدود فيه.
إنهم قراصنة من العصر الرقمي، ومجرّد لصوص يرتدون معاطف إلكترونية زائفة .. هم لا يُسمعون ضحاياهم وقع أقدامهم خلف أبواب مغلقة، ولكن يبعثون برسائل إلكترونية احتيالية تتظاهر بانتمائها إلى “Google Support”، لتقود المستخدم إلى مصيدة إلكترونية دقيقة.
إنها صورة صارخة لظاهرة الهجمات السيبرانية القائمة على التصيّد، حيث يُستبدل السلاح التقليدي بخداع نفسي واجتماعي يوظّف ثغرات الثقة البشرية .. إنها تجارة الوهم ..!
من هم “شيني هانترز” ShinyHunters ؟
“شيني هانترز” .. ShinyHunters ليست سوى جماعة قرصنة عابرة للقارات، وُلدت من رحم الفوضى الرقمية .. فهي لا تملك مقراتٍ ولا يافطاتٍ ولا مقاهي يلتقي فيها أعضاؤها، بل تتوزّع أشباحها عبر خوادم متناثرة في ربوع الأرض .. هم مجرد سماسرة معلوماتٍ مسروقة .. يبيعون قواعد بيانات كاملة كما لو كانت سلعةً في سوقٍ أسبوعي، تُقاس قيمتها بعدد “الإيميلات” وكلمات السرّ.
عُرفوا أول مرة عام 2020 حين اخترقوا مواقع كبرى، ليعلنوا عن أنفسهم بخطابٍ صاخب على المنتديات المظلمة.
لهم أسماء مستعارة، وجنسياتهم غائمة، فلا شرطة تعرف وجوههم ولا حدود توقف خطواتهم .. إنهم كيانٌ سيبراني أكثر منه بشري، كائنات نصفها برامج ونصفها رغبات منحرفة .. تسويقهم لعملياتهم يتم ببرودٍ يشبه برود التجار في المزاد، يعرضون بياناتك كما لو كانت حبات قمح. وما يزيد الطين بلة أن بعضهم يقدّم خدمات مستأجرة للاختراق، وكأنها شركة استشارات!
فكل ما يربطهم بالعالم هو شبح الاسم اللامع”شيني هانترز” ShinyHunters .. ، بريقٌ من الخارج وفراغٌ من الداخل.
إنه الوجه العاري لعصرٍ لم تعد فيه السرقة تحتاج إلى مفتاحٍ رئيسي ولا حتى ظل لصوصٍ يلوذون بالفرار.
اليقظة الرقمية في مواجهة عبث القراصنة
في عصرٍ تتقاطع فيه البيانات مع الفوضى، ترفع اليقظة الرقمية صوتها معلنة بأن كلمات المرور لم تُسرق، لكن قراصنة مثل “شيني هانترز” ShinyHunters يوضحون أن مجرد الأسماء والأرقام تكفي لبناء جسور وهمية نحو حساباتنا.
التصيّد الإلكتروني هو فن بصبغة رقمية، يبيع الوهم كسلعة تُتداول في الأسواق المظلمة للفضاء السيبراني .. أحيانا تفتح بريدك فتظن أنه من Google ، بينما هو في الحقيقة رسالة من قرصان هاوٍ يجلس في غرفة مظلمة، يبتسم على سذاجتك وكأنك بطل مسرحية عبثية .. هنا تعلمنا اليقظة الرقمية أن التشفير وحده لا يكفي، فهو زخرفٌ على جدار بلا روح، فالوعي الإنساني هو الحصن الأخير. فكل غفلة، وكل نقرة على “انقر هنا”، تمنح القراصنة نافذة لاقتحام بياناتك، و”شيني هانترز” ShinyHunters يجيدون استغلال كل ضعف بشيء من العبث الإبداعي .. فما قيمة البرنامج الأمني إذا ضغط المستخدم على رابط مشبوه ببراءة؟
تخبرنا اليقظة الرقمية أن كل رسالة مجهولة هي لغم رقمي يتسلل ليختبر يقظة العقل، وأن الفلسفة الرقمية تكشف الحقيقة .. تبدأ الحماية من الداخل، لا من الخارج، فالوعي هو الدرع، والعقل هو المفتاح، والسخرية أحياناً أقوى من التحذيرات الصارمة.
وهنا تتحول اليقظة الرقمية إلى سيف، والوعي إلى درع، ومن يجمع بينهما ينجو من عبث قراصنة مثل “شيني هانترز” ShinyHunters ، الذين يختبرون حدود يقظتنا البشرية.
فلتتذكر أيها المستخدم، فحتى في عالم رقمي مليء بالظلال .. يقهر العقل العبث، وتحول الدعابة الرهبة إلى درسٍ فلسفي خالد، يبتسم لك بينما تحمي بياناتك بذكاء وفطنة.
في الختام، ندرك أن المعركة ليست بين Google و”شيني هانترز” ShinyHunters فقط. إنها بين وعي المستخدم وغفلته، وبين يقظة العقل وسذاجة النقر الأعمى.
لم يعد العالم الرقمي يرحم من يسير بلا درع الوعي. فالبيانات أثمن من الذهب، وأضعف من ورقٍ في مهب ريح .. فكن على يقظة ضاحكا على الهاكرز، لكن لتتذكر أن الضحك لن يحميك من الطعنات. فالأمن يبدأ من يقظة المستخدم قبل أن يبدأ من برامج الشركات .. فمن وعى نجا، ومن استهتر وقع فريسة البريد الاحتيالي .. فهؤلاء القراصنة ما هم إلا شياطين بلغة العصر.
ولعل أجمل ما نختم به: “وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين”.
The post قراصنة “شيني هانترز” appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.





