أثار الفيديو المسرب الذي يظهر طفلة صغيرة تلقي رضيعة مرات متكررة داخل حضانة في حي بير الشيفا بمدينة طنجة صدمة كبيرة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين عبّروا عن استنكارهم وغضبهم من المشهد القاسي الذي وثّقته كاميرات المراقبة، وسط تساؤلات عميقة حول ما الذي قد يدفع طفلا في هذا العمر إلى مثل هذا السلوك العنيف.
وسجل خبراء ومختصون أن عنف الطفل ليس سلوكا فطريا؛ بل هو نتاج عوامل محددة يمكن تفسيرها. فمن جهة، قد ينجم هذا العنف عن اضطرابات ذهنية تمنع الطفل من إدراك عواقب أفعاله. ومن جهة أخرى، وهو الأكثر شيوعا، قد يكون العنف سلوكا مُكتسبا عن طريق التقليد، حيث يستبطن الطفل ممارسات عنفية يشاهدها في بيئته الأسرية أو عبر وسائل الإعلام، خاصة في غياب رقابة الراشدين.
وأوضحت بشرى المرابطي، الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، أن الطفل خلال مراحل نموه النفسي والاجتماعي والذهني لا يمكنه، إذا كان يعيش في بيئة طبيعية متوازنة ومتماسكة، أن يقوم بممارسات عنيفة مثل إيذاء الآخر أو إيذاء الذات.
وأضافت المرابطي، ضمن تصريح لهسبريس، أن بعض الحالات الاستثنائية قد تدفع الطفل إلى ممارسة العنف تجاه الآخرين، خاصة إذا كان يعاني من اضطراب ذهني يجعله غير مدرك لطبيعة الأذى الذي يسببه، إذ إن القدرات الذهنية المعطلة قد تؤدي إلى سلوك عدواني غير واعٍ.
وأشارت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي إلى أن العنف قد يكون أيضا سلوكا مكتسبا، فإذا كان الطفل يعيش في بيئة يُمارس فيها العنف باستمرار، فإنه يستبطن هذه الممارسات ويعيد إنتاجها في علاقاته بزملائه أو بالأطفال الأصغر منه سنا.
وأوردت المتحدثة ذاتها أن مشاهدة مشاهد عنف متكررة في التلفزيون أو عبر الإنترنت يمكن أن تؤدي بدورها إلى تعزيز هذا النمط السلوكي؛ لأن الدراسات أثبتت أن التكرار يجعل الطفل يقلد ما يراه فيما يعرف بعملية “تقليد العنف”، خاصة في غياب الرقابة الأسرية والراشدين.
وأضافت المرابطي أن بعض الأطفال قد يمارسون العنف بشكل غير مقصود أثناء اللعب بألعاب حادة أو قوية دون إدراك لخطورتها أو لعواقبها.
وأكدت الأخصائية أن المسؤولية الكبرى تقع على الأسرة، التي ينبغي أن تكون يقظة ومنتبهة لأي سلوك غير طبيعي يظهر على الطفل، لافتة إلى أن “الآباء لا ينتبهون في بعض الأحيان إلى هذه الأمور. وقد عرضت عليّ حالة لفتاة في المرحلة الجامعية كانت تعاني من التوحد الحاد، بينما والدتها، وهي مثقفة وموظفة، لم تدرك ذلك لسنوات لأنها اعتقدت أن طبيعة ابنتها انعزالية مثل باقي أفراد الأسرة”.
وأبرزت أن الملاحظة المستمرة ضرورية، كما أن المدرسة مطالبة بدورها بمتابعة سلوك الأطفال، وعرض أي طفل تظهر عليه علامات غير طبيعية على أخصائي نفسي.
وشددت على أهمية وجود أخصائي نفسي دائم في المؤسسات التعليمية، وعلى ضرورة استشارة المختصين حتى في الحالات التي لا تبدو مقلقة، لأن إهمال أي إشارة قد يؤدي إلى نتائج باهظة على الأسرة والمجتمع وعلى مستقبل الطفل نفسه.
من جانبه، أوضح عادل الحساني، الخبير في علم النفس الاجتماعي، أن الأسباب التي قد تدفع الطفل إلى العنف ترتبط بالمنظومة الأخلاقية في شخصيته، التي لا تكون متكاملة إلا مع بلوغ سن الرشد.
وقال الحساني، ضمن تصريح لهسبريس، إن “العالم المتخيل لدى الطفل قبل سن الخامسة عشرة يكون واسعا في مقابل العالم الرمزي، أي عالم القواعد والقوانين الاجتماعية، الذي لم يكتمل بعد في سن الثامنة مثلا. ولذلك، فإن تحميل الطفلة في الفيديو مسؤولية فعلها يُعد مجازفة؛ لأن المسؤولية الفعلية تقع على عاتق المربية التي سمحت لطفلة بتحمل مهمة تربوية تفوق قدراتها”.
وشرح الخبير في علم النفس الاجتماعي أن الطفل يعيش في تداخل بين عالمين: المتخيل والرمزي؛ فالأول هو عالم العواطف الغريزية مثل الغيرة والعدوان، والثاني هو عالم الضوابط والقوانين.
وأضاف المتحدث ذاته أن العالم المتخيل للطفل “ممتلئ بثلاثة عناصر أساسية: التشوه الإدراكي، الصراع، والأحكام السلبية”؛ وهي ما تجعل سلوكه في بعض الحالات عدوانيا، خصوصا في سياقات الضغط والضجيج كما في الفيديو المنتشر.
وأوضح أن ما صدر عن الطفلة “ليس فعلا أخلاقيا أو نابعا من وعي بالقيم، بل هو فعل غريزي، لأن الغيرة والعدوان معانٍ خام، تماما كما الرحمة والحب، وهي تتفاعل حسب السياق الذي يعيش فيه الطفل”.
وخلص الحساني إلى أن الواقعة المؤلمة تكشف ضعف المراقبة داخل بعض مؤسسات الطفولة، وتحتم مراجعة شروط عملها وتأهيل العاملين فيها، مؤكدا أن “وضع طفلة في مهمة رعاية رضيع دون إشراف مسؤول هو إخلال جسيم بسلامة الأطفال ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون قانونية”.
The post “فيديو الحضانة”.. خبراء يضعون العنف الطفولي بين الغريزة والتقليد والاضطراب appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.





