دراسة: البنية التحتية تفاقم تحديات الرعاة الرحل في جنوب شرق المغرب

سلطت دراسة حديثة نشرتها “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” الضوء على التحديات التي يواجهها الرعاة الأمازيغ الرحل في منطقة “آيت خباش” بجهة درعة تافيلالت، نتيجة التغير المناخي والتهميش الاجتماعي، مبرزة أن “التغيرات البيئية تزيد من تعميق أوجه عدم المساواة القائمة بدل أن تخلق تحديات جديدة فحسب للرعاة الأمازيغ الرحل في المنطقة”.

وسجلت الدراسة ذاتها أن “إحدى طرق استجابة آيت خبّاش لمختلف هذه التحديات كانت من خلال الهجرة على مدى العقود الماضية، إذ انتقلوا من حياة الرعي الرحل على الحدود المغربية الجزائرية إلى الاستقرار في قرى مثل مرزوكة وحسيل بييد، أو الانتقال إلى المراكز الحضرية كوارزازات ومراكش، والهجرة الدولية إلى فرنسا وإسبانيا”.

وأشارت إلى أن “هذا المجتمع اتجه، في الآونة الأخيرة، نحو بناء صناعة سياحية في منطقته من الصفر. فمن جهة، هذا يعكس كيفية تكيف المجتمعات الأصلية مع الاستبعاد الهيكلي والضغط البيئي؛ ومن جهة أخرى، تكشف تجارب آيت خبّاش عن نقاط ضعف أطر السياسات المناخية التي غالبا ما تتجاهل المعرفة الأصلية والتكيف غير الحكومي”.

وأوضحت الدراسة أن “آيت خبّاش هم جزء من قبيلة آيت عطا، وهي جزء من المجموعة الأمازيغية الأوسع. وقد عاشوا تاريخيا في مناخ صحراوي قاسٍ وطبيعة صعبة في جنوب شرق المغرب وغرب وسط الجزائر، وتحديدا في محيط واحة تافيلالت”، مبرزة أنه “على مدى المائتي عام الماضية، أصبح تحرك هذا المجتمع مقيدا بشكل متزايد، كما تقلص وصولهم إلى المياه في العقود الأخيرة”.

وتابعت بأن “القيود على الحركة بدأت مع احتلال فرنسا للجزائر عام 1830، حيث منعت آيت خبّاش من الوصول إلى بعض المراعي الشتوية ومنعتهم أحيانا من المشاركة في تجارة القوافل.

واستمرت القيود بعد استقلال المغرب والجزائر عن فرنسا بسبب التوترات الحدودية المستمرة بين البلدين”، مشيرة إلى أن “موجات الجفاف في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات دفعت العديد من الأسر إلى الاستقرار في مدن الريصاني وإرفود، وكذلك في المدن الكبرى كوارزازات ومراكش”.

وأكدت الوثيقة سالفة الذكر أن “الرعي، الذي كان جوهر هوية آيت خبّاش واقتصادهم، أصبح أقل استدامة كمصدر للمعيشة؛ فالمراعي المتقلصة والجفاف المتكرر تدفع الأسر إلى بيع المواشي والهجرة، وأحيانا التخلي عن نمط الحياة الرحل تماما. وقد ساهم نقص البنية التحتية في المناطق النائية، مثل المدارس والمستشفيات، في قرار الناس الاستقرار بشكل دائم في المدن”.

وأضاف المصدر عينه أن “التعليم والهجرة والسياحة ووسائل التواصل الاجتماعي عرّضت آيت خبّاش لأساليب الحياة الحضرية، وشكلت تطلعات الشباب، حيث يتجهون نحو التنقل والاستقرار المالي وامتلاك الممتلكات المادية، بينما يتذكر الكبار حياة كان محورها المواشي”.

وشددت الدراسة على أن “آيت خبّاش انخرطوا، خلال السنوات الأخيرة، في قطاع السياحة مع التركيز على المخيمات الصحراوية الموسمية الواقعة بالقرب من الكثبان الرملية”، مبرزة أن “هذه المبادرات وفرت آلاف الوظائف لأعضاء المجتمع، وحافظت على تماسك الأسر، وأتاحت لهم البقاء مرتبطين بأراضي أسلافهم. فبينما غالبا ما تؤدي الهجرة إلى تعطيل نقل المعرفة بين الأجيال، وتغيير البُنى الاجتماعية، وإحساس بالخسارة الثقافية، فإن المشاريع الاقتصادية المحلية تسهم في استمرار الثقافة والحفاظ على التماسك الاجتماعي”.

وزادت بأنه “رغم استضافة المنطقة لمشاريع اقتصادية كبرى، فإن درعة-تافيلالت تعاني من ضعف البنية التحتية وضعف الخدمات وقلة استثمارات الدولة في التنمية الاجتماعية. وتملأ المنظمات غير الحكومية المحلية بعض الفجوات المهمة، مثل استصلاح الواحات أو حفر الآبار بالطاقة الشمسية، إلا أن هذه التدخلات جزئية ومحدودة النطاق”.

وخلصت إلى أن “منطقة درعة- تافيلالت تمثل مفارقات المسار التنموي المغربي: فبالرغم من غناها بالموارد المعدنية والطاقة الشمسية، فإنها واحدة من أفقر مناطق المغرب، إذ تساهم بأقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”، مشددة على أنه “مع تفاقم آثار المناخ، فإن الاعتماد فقط على الصمود الشعبي دون دعم هيكلي سيزيد من عدم المساواة ويعرض القطاعات غير الرسمية لصدمات متكررة. وفي الوقت نفسه، تشير تجربة آيت خبّاش إلى الحاجة الملحة إلى سياسات مناخية تتجاوز الأساليب المركزية إلى إشراك المجتمعات المهمشة بشكل فعال كشركاء في أطر التكيف، واستثمار الاستراتيجيات الوطنية في آليات الحوكمة التشاركية، وتعزيز الحماية الاجتماعية”.

The post دراسة: البنية التحتية تفاقم تحديات الرعاة الرحل في جنوب شرق المغرب appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.

 

Leave a Reply

Deine E-Mail-Adresse wird nicht veröffentlicht. Erforderliche Felder sind mit * markiert