لم يكن الشاب محمد بنجعة يدرك أن عشقه للبحر سيجعل منه اليوم أيقونة للغوص الحر والصيد تحت الماء في المغرب، بل ومرجعا رقميا لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التّواقين إلى اكتشاف عوالم أخرى خارج اليابسة.
تعود علاقة بنجعة بهوايتي الغوص والصيد تحت الماء إلى سنة 2008، واكتسبت قوة أكثر مع مرور السنوات، حيث قام سنة 2014 بإنشاء قناة خاصة على موقع “يوتيوب”، باتت تحتضن نحو مليون مشترك، ما منحه لقب أول صانع محتوى في هذا الصنف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في الظرفية الراهنة، يركّز الشاب على تقريب المغاربة وباقي متابعيه من الأنشطة التي لها علاقة بالبحر، بداية بالغوص الحر والصيد تحت الماء، مرورا بالكشف عن المعادن، متمكّنا بذلك من تحويل “الخوف الشعبي” إلى “شغف جماعي”، ومن فتح باب جديد لهواية لم تكن معروفة من قبل.
يشرح محمد لهسبريس، خلال لقاء خاص بمدينة المحمدية، أنه لم يكن يتوفر على فكرة واضحة ومحدّدة يستثمرها في علاقته بالبحر، وما سينبثق من ذلك من هوايات، وأن إنشاء قناة له قبل 11 سنة من اليوم لم يكن بداعي الربح من المشاهدات إطلاقا.
ومنذ جائحة كورونا التي عاشها المغرب والعالم ككل، بات المغامر البحري عينه يركز أكثرَ على التعريف بهواية الصيد تحت الماء، مستغلا في ذلك مهاراته في الغوص، متسلّحا أيضا بكاميرا يوثق من خلالها تجربته لملايين المشاهدين المغاربة والأجانب.
صيدٌ تحت الماء
تتضمن فيديوهات محمد، وهو الحاصل على شهادتين في مجال له علاقة بالكهرباء الصناعية، رصدا لأنواع مختلفة من الكائنات والأصناف البحرية، التي يتفنّن كثيرا في طريقة صيدها باستعمال سلاح “الفيزي”، وذلك بالاستعانة بلباس الغوص “الكومبينيزون” الذي يمكّنه من إنجاح عملية الغوص.

يؤكد بنجعة للجريدة أن “هذا اللباس يؤمّن العملية بشكل كبير، لا سيما عند استخدام “أوزان مائية” تسمح للجسم البشري بالطفو على الماء، وتعزّز ما يتوفر عليه داخل رئتيه من هواء”.
ويقدم المعني بالأمر، ضمن الفيديوهات التي ينشرها على حساباته الاجتماعية تحت مسمى “رحلة غوص ـ Diving Trip”، شرحا مبسّطا لأنواع الأسماك وسلوكها وأدوارها أيضا في التوازن الطبيعي، مع دعواته المتجدّدة إلى الصيد المسؤول وحماية المَواطن البحرية من التلوث، متبنّيا شعار “البحر ليس مكانا للربح فقط، بل موطن حياةٍ يجب احترامه”.
شغف بالكشف عن المعادن
اللافتُ أكثر في علاقة محمد بنجعة بالبحر كونها لا تتوقف عند ممارسة هواية الغوص أو الصيد تحت الماء، وإنما تشمل كذلك الكشف عن المجوهرات والمعادن والأشياء الثمينة باستعمال جهاز “كاشف المعادن”، على الرغم من صعوباتٍ واجهها في البداية.
تحدث بنجعة لهسبريس عن هذا المعطى تحديدا، قائلا: “اشتريت كاشفا للمعادن من الصين، وخلال استخدامي إياه في البداية، كنت دائما أطالع تعليقات من قبل المتابعين تحذّرني من عقوبات سجنية؛ لكنني كنت أصرّ على الاستمرارية، رغبة في المساهمة في نشر هذه الهواية بالمغرب”.

وفي الفترات اللاحقة، يورد المغامر البحري ذاته، “بدأت التعليقات السلبية في التراجع، بل وتغيّر فحواها إلى ما هو إيجابي (…) لقد مضيت في تطوير ما لدي من أفكار في هذا الجانب، وصرت أشتري أجهزة متطورة لكشف المعادن للاستعمال حتى في الغابات”.
وذكر بالمناسبة أنه “ساهم في التعريف بهواية الكشف عن المعادن في صفوف عدد من الشباب بالمغرب، وفي تقريبهم من الجمعيات المختصة في هذا المجال، في ظل انتشار أفكار عامة تفيد بكون هذا النوع من الأنشطة ممنوعة قانونيا”، مردفا: “تأكدنا فيما بعد أن الأمر لا يطرح أي مشكل قانوني”.
هواية تتلمّس التطوير
يرى بنجعة ضرورة العمل على التشجيع المتواصل للأفراد الشغوفين بالكشف عن المعادن على مستوى الشواطئ والغابات كذلك، باعتبار ذلك مدخلا للتنمية المستدامة، حيث تتم إزالة الأسلاك والمعادن والمتلاشيات من الفضاء العمومي، مع المساهمة في إرجاع المفقودات إلى أصحابها الأصليين، بما فيها المجوهرات الثمينة، وهو ما يجعل من هذا العمل رمزا للأمانة والنزاهة.
ولدى حديثه عن المبادئ التي يجب أن تحكم صناعة المحتوى بالمغرب، أكد الشاب ذاته أنه “بالإمكان التأثير في المتلقين من خلال أي محتوى يتم إنشاؤه؛ فالسوشيال ميديا سلاحٌ قوي لنشر الأفكار الجيّدة، لا سيما في صفوف الفئات السنية الصغيرة”.

وبعد أزيد من عقد من العمل الميداني والتصوير في أصعب الظروف، أصبح ابن مدينة المحمدية رمزا وصوتا للبحر بالمغرب، بل وواجهة لهواية الكشف عن المعادن والغوص البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متمكّنا بذلك من نيل ثقة ملايين المتابعين وتعزيزها.
لقد بات المحتوى الذي ينطلق من الحسابات الرقمية لـ”رحلة غوص” يحقق ملايين المشاهدات على مستوى مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما مع اللجوء في بعض الأحيان إلى دبلجته باللغة الإنجليزية، مما أعطاه زخما أكبر.
ولا يخفي الغواص بنجعة رغبته في رؤية تطور وتحسّن في ممارسة هوايتي الغوص الحر والكشف عن المعادن بالمغرب؛ إذ يتشبّث بأهمية العمل الذي تقوم به الجمعيات المتخصصة في تأطير الهواة، لا سيما الشباب منهم.
The post محمد بنجعة .. مغربي يتحدى الخوف بالغوص الحُر والكشف عن المعادن appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



